ودع المهندس رامي عبد اللطيف الأقرع زوجنه هنادي المدبوح إلى مثواها الأخير صبيحة اليوم الثاني من رمضان قبل صلاة الفجر بساعة بعد صراع طويل مع مرضعضال.
لقد كان الأخ رامي وزوجته رحمها الله من زملائنا في جامعة النجاح ، اختارها زوجة له لتميزها وأدبها ونسبها ، وكان بذلك يهدف لإنشاء أسرة مسلمة ملتزمة فالأخوان ينتميان لمدرسة تتخذ من التربية ركناً أساسياً في عملها وبنيتها ، فرامي المهندس اللماح الذي تشع من عيونه الفطنة والذكاء صاحب خلق رفيع أمضى سنين طويلة من عمره في السجون جابها بطولها وعرضها صاحب نظرة ثاقبة وتحليل عميق اختار(هنادي) أماً لأولاده وتخير نسبه بعناية وفاز بمربية صالحة تحملت معه المشاق والصعاب لا سيما أن الزوجة الشهيدة تحملت بُعد رامي عنها لفترات طويلة في سجون الاحتلال فحفظت زوجها في ماله وعرضه وصبرت وربت ابنتيهما وفاء ومريم .
وبعد أن ضاقت البلاد بأصحابها واشتد الخناق على الرجال في فلسطين وبحثاً عن الاستقرار الذي يفتقده شباب فلسطين سافر رامي ولحقت به زوجته واستقر بالخليج حيث عمل هناك بتخصصه ولكن قدر الله وإرادته كانت فوق رغبات رامي وزوجه التي أسعدها وجود رامي بجوارها بعيداً عن شبح الاعتقال والسجون والوقوف على أبواب الصليب الأحمر فأصيبت الزوجة التي صبرت على فراق زوجها بالسجون بمرض عضال وعلمت وزوجها أن الأجل قد اقترب ، فعادوا إلى الأردن وبدأت رحلة العلاج والعذاب التي استمرت 6 شهور لم يفارق رامي زوجته ساعة وبقي على رأسها واستسلمت البتول لقضاء ربها برضى وتوكل ونقل عن زوجها أحاديث تشير إلى حسن الخاتمة وطيب المقر عند المليك المقتدر وفاضت الروح إلى بارئها وذرف الدموع وودع بصمت كحال أسرى فلسطين في سجون الاحتلال يبكون بلا دموع ويصرخون بلا صوت يتعالون على الجراح ويسلمون بقدر الله .
لم تقتصر قصتهما على هذا وحسب ،وان كانت السطور السابقة أكثر تراجيدية وبها من الحزن ما بها ولكني لم أقصد أن أسرد قصة صديق فقد زوجته بل إن ما أردت نقله لكم هو معناً عظيماً وركناً أصيلاً من أركان الإسلام العظيم والدعوة الغراء قد تجلى بأبهى صوره في قصة رامي المهندس وهنادي الشهيدة ألا وهو ركن الأخوة فمن اللحظة الأولى التي مرضت بها هنادي ووصل الخبر لفلسطين وتحديداً لمدينة نابلس التي ينتمي إليها كليهما والى طلاب جامعة النجاح التي تخرج منها الزوجان حتى بدأت تعمم الرسائل عبر أجهزة المحمول وعبر الإيميلات بإصابة زوجة أخينا رامي بمكروه برجاء الدعاء لها ولزوجها لقد انتشرت هذه الرسالة بشكل كبير والكل يطلب تعميمها كثفوا الدعاء للأخت المريضة هنادي تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أكثر صعوبة وهكذا حتى أتتها ساعة المنية.
وكما سبق أن قلت وما إن أتتها ساعة المنية وفاضت الروح إلى بارئها وذلك بعد أن استيقظت من غيبوبتها وقالت يا الله يا الله مرات ومرات حتى وصلتني الرسالة الأولى قبل الفجر بنصف ساعة تنقل الخبر أن انتقلت إلى رحمة ربها ، حمدنا الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ودعونا لها بالرحمة والمغفرة ولزوجها بالصبر والسلوان وكما طلب مني بالرسالة أن عمم الخبر حتى قمت بإرسالها لمن يعرف رامي وزوجته وما هي إلا أقل من ساعة حتى أتتني ذات الرسالة التي أرسلتها من 54 أخ ،نعم ذات الرسالة الكل يرسل ويعمم ويبعث يدعو للزوجة بالمغفرة والزوج بالرحمة والصبر ومع ساعات النهار الكل يسأل عن موعد قدوم الجثمان ووقت الدفن وتجلى عنصر الأخوة الذي تربى عليه رفاق رامي وصديقات هنادي بأجمل صوره .
ركن الأخوة من أجمل ما تربينا ، حيث أن للدعوة الإسلامية قواعد تربوية وركائز متينة لابد وأن تقام في نفوس أبنائها على أصول ثابتة وقواعد تربوية باقية لن يتم تكوين الشخصية الإسلامية إلا بها ولا تتكامل إلا بتحقيقها
ومن هذه الركائز التي تحرص الدعوة الإسلامية على إقامتها في نفوس أبنائها ( الأخوة و الحب في الله)
الأخوة منحة من الله تعالى يعطيها الله للمخلصين من عباده والأصفياء والأتقياء من أوليائه وجنده وحزبه ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)
للأخوة في الله فضل عظيم فهي علاقة خاصة بدأت من عند الله واختار لها من اختار من عباده وجمع بين قلوبهم وألف بينهم وحبب كلاً منهم للآخر دون سبب منهم (وألف بين قلوبهم)
رحم الله أختنا وزوجة أخينا هنادي وهنيئاً لرامي بإخوانه وأحبابه الذين بكوا مصابه كما بكاه وعاشوا عذابه كما لو كان مصابهم وأسأل الله أن يديم علينا الأخوة والمحبة ويجمعنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.