نابلس - تقرير خاص : نقلا عن الجزيرة توك
"لقد كدت أفقد وعيي حين رأيت قميصه الملطخ بالدم بعد أن كنت أرى وجهه المبتسم بين الطلبة في هذه المعارض" ... بهذه الكلمات وصف الطالب عصام أنيس من جامعة النجاح الوطنية مشاعره الجيّاشة تجاه الشهيد محمد عبد الرحيم الحنبلي ابن كتائب القسام و الذي استشهد قبل يوم واحد من بدء العام الدراسي في جامعة النجاح الوطنية ...
فقد اعتادت الكتل الطلابية في جامعات الضفة الغربية على إقامة معارض القرطاسية الجامعية و المتطلبات الطلابية مع بدء كلّ عام دراسي ، غير أن هذه المعارض غالباً ما تتميز باللون السياسي و تطغى عليها طبيعة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني و أبرزها قضية الشهداء ، فقط خطفت صورة الشهيد "محمد الحنبلي" و ملصقاته و اللوحات الفنية التي صمّمت لتليق بالمكانة الكبيرة التي حظي بها الشهيد بين طلبة النجاح أنظار زوار المعرض الذي افتتح تحت عنوان "صفحات العزّ " .
و عن ذلك يقول رامي عبد اللطيف ممثل الكتلة الإسلامية التي ينتمي إليها الشهيد : "إن علاقة معارض الكتلة الإسلامية بالشهيد الحنبلي علاقة خاصة و مميزة ، فهو صاحب الأفكار الإبداعية و المسؤول عن إقامة الزوايا المميزة في معارض الكتلة الإسلامية السابقة" .
و يستذكر طلبة النجاح الذين احتشدوا أمام صورة كبيرة للشهيد تحمل آية قرآنية تقول : "لمثل هذا فليعمل العاملون" ، إبداعات الشهيد في معرض "هذه أيادينا" تدخّلت و الذي تدخلت الكنيست الصهيونية و ضغطت على السلطة الفلسطينية و إدارة الجامعة في حينه لإغلاقه باعتبار أن زواياه تحريضية إلى حدّ لا يطاق حيث يقول أحد أعضاء الكتلة الإسلامية إن جميع تلك الزوايا و أفكاره الخلّاقة و المبدعة كانت من تخطيط و تنفيذ الشهيد الحنبلي .
و تختلط مشاعر الفرح للتكريم الكبير الذي حظي به الشهيد الحنبلي و الطريقة المشرّفة التي حصل بها على الشهادة مع مشاعر الحزن و الأسى في قلوب آلاف الطلبة الذين اعتادوا على رؤيته يومياً يتحرّك بينهم و يشرف على نشاطات الكتلة الإسلامية .
إحدى طالبات قسم الهندسة الصناعية لم تتمالك نفسها و هي تنظر إلى قميص الشهيد المعروض أسفل صورته مزداناً بدم الشهادة حين انطلق صوت المنشد هاتفاً :
لا تحزنوا يا إخوتي إني شهيد المحنة
آجالنا محدودة و لقاؤنا في الجنة
فخرّت مغشياً عليها من البكاء حزناً على الشهيد .
و عن التفاعل الكبير بين الطلبة و معرض صفحات العزّ يقول علاء حميدان رئيس مجلس اتحاد الطلبة : "رغم ابتعاد الشهيد لفترة غير قصيرة عن الجامعة بعد مطاردته إلا أنه ما زال يحيى في قلوب من عرفه من طلبة النجاح" ، و يضيف حميدان : "لقد انتقل حبّ الطلبة الذين عرفوا الشهيد للذين لم يعرفوه عبر أحاديث الطلبة عنه ، و عن وجوده الدائم بين الطلبة حتى أننا أصبحنا نشعر أن الكثير من الطلبة يحضرون إلى المعرض بهدف أساسي هو النظر إلى صورة الشهيد و ما يتعلّق به من زوايا" .
و يعود ممثل الكتلة الإسلامية ليقول : "لقد أجّلنا افتتاح المعرض يوماً آخر لإضافة الزوايا الخاصة بالشهيد و قد لامنا البعض على ذلك و لكننا كنا نرى أن للشهيد محمد علينا حقاً كبيراً و واجباً يتطلب أن يشمل المعرض أفكاراً و زوايا تليق بمكانة الشهيد عندنا و قد أثبتت هذه الحشود الضخمة صحة رؤيتنا" .
دفتر التعليقات الموضوع في الزاوية الختامية للمعرض حفل بالتعليقات العفوية من طلبة الجامعة جلّها انصبت على التعبير عن إعجابهم بالشهيد و تكريمه و الزوايا الفنية التي عبّرت عن ذلك التكريم و من أجمل تلك التعليقات ما كتبه طالب وقّع تحت النص : " عاشق الحنبلي" قال فيه : "لقد حمل معرضكم السابق اسم يراع من عز الدين و اليوم فإن "صفحات العز" – و هو اسم المعرض الحالي - قد كتب فيه بخط أجمل يراع لدى عز الدين و هو الشهيد محمد الحنبلي" .
طالب في السنة الأولى يقول : "هذه أول مرة أدخل بها جامعة النجاح و قد التقطت صوراً شخصية إلى جانب صور الشهيد محمد الحنبلي ، لقد سمعت عنه ما دفعني لأتمنى لو كان حيّا لالتقاط تلك الصور" .
قدامى الطلبة الذين عايشوا محمداً قبل مطاردته وقفوا لدقائق طويلة أمام زوايا صوره و كانت رؤية وجوههم تكفي لتكشف ما يعتمل في صدورهم من مشاعر جيّاشة و حنين شديد لأيام خلت كان الحنبلي أو كما كان يطلق على نفسه كنية "أبو سليمان" فيها خير جليس و صديق يمسح دمعة الباكي منهم و يجبر كسره و يزيل الهمّ من قلبه بابتسامة ساحرة لعلهم افتقدوها بعد استشهاده و لكنهم حتماً لم يفقدوا الأمل بلقاء جديد معه في جنات السماء ، و كأن لسان حالهم و الدموع التي تكاد تكشف عن رقة قلوب يحسب الناظر أجساد أصحابها من الحديد تقول :